موضوع: قصة هاروت وماروت الأربعاء يوليو 25, 2012 12:48 pm
حقيقة قصة " هاروت وماروت "
السؤال: من هما هاروت وماروت ? هل هما بشر أم ملكان ؟ وإن كانا ملكين هل هما معصومان بالرغم من تعليم السحر للناس ?
الجواب: الحمد لله ورد ذِكر اسمي " هاورت وماروت " في القرآن الكريم في موضع واحد فقط ، وبتأمل هذا الموضع يعرف المرء الحقائق التالية :
1. أنهما من الملائكة ، لا من البشر .
2. أنهما مرسَلان من الله ؛ تعليماً لأناس شيئاً يقيهم من الشر ، لا أنها معاقبان على ذنب . وعليه : فمن ادَّعى أنهما من البشر ، أو أنهما ملكان وقعا في معصية فمسخهما الله تعالى : فقد تكلم في أمر الغيب بلا علم ، وادعى أمرا يتنقص به ملائكة الرحمن المكرمين ، واعتقد بما في كتب بني إسرائيل ، بغير شاهد صدق له من الوحي المعصوم .
وكذلك اتبع اليهودُ السحرَ الذي أُنزل على الملَكين ، الكائنين بأرض " بابل " ، من أرض العراق ، أنزل عليهما السحر ؛ امتحاناً وابتلاءً من الله لعباده ، فيعلمانهم السحر .
( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى ) ينصحاه ، و ( يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ) أي : لا تتعلم السحر فإنه كفر ، فينهيانه عن السحر ، ويخبرانه عن مرتبته .
فتعليم الشياطين للسحر على وجه التدليس ، والإضلال ، ونسبته ، وترويجه ، إلى مَن برَّأه الله منه ، وهو سليمان عليه السلام ، وتعليم الملكين امتحاناً مع نصحهما : لئلا يكون لهم حجة . فهؤلاء اليهود يتبعون السحر الذي تُعلِّمه الشياطين ، والسحر الذي يعلمه الملكان ، فتركوا علم الأنبياء والمرسلين ، وأقبلوا على علم الشياطين ، وكل يصبو إلى ما يناسبه .
ثم ذكر مفاسد السحر فقال : ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) مع أن محبة الزوجين لا تقاس بمحبة غيرهما ؛ لأن الله قال في حقهما : ( وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) ، وفي هذا دليل على أن السحر له حقيقة ، وأنه يضر بإذن الله ، أي : بإرادة الله ، والإذن نوعان : إذن قدَري ، وهو المتعلق بمشيئة الله ، كما في هذه الآية ، وإذن شرعي ، كما في قوله تعالى في الآية السابقة : ( فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) .
وفي هذه الآية وما أشبهها : أن الأسباب مهما بلغت في قوة التأثير : فإنها تابعة للقضاء والقدر ، ليست مستقلة في التأثير ، ولم يخالف في هذا الأصل مِن فِرَق الأمَّة غير " القدرية " في أفعال العباد ، زعموا أنها مستقلة غير تابعة للمشيئة ، فأخرجوها عن قدرة الله ، فخالفوا كتاب الله ، وسنَّة رسوله ، وإجماع الصحابة ، والتابعين .
ثم ذكر أن علم السحر مضرة محضة ، ليس فيه منفعة ، لا دينية ولا دنيوية ، كما يوجد بعض المنافع الدنيوية في بعض المعاصي ، كما قال تعالى في الخمر والميسر : ( قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ) فهذا السحر مضرة محضة ، فليس له داع أصلا ، فالمنهيات كلها إما مضرة محضة ، أو شرها أكبر من خيرها ، كما أن المأمورات إما مصلحة محضة ، أو خيرها أكثر من شرها . ( وَلَقَدْ عَلِمُوا ) أي : اليهود ، ( لَمَنِ اشْتَرَاهُ ) أي : رغب في السحر رغبة المشتري في السلعة : ( مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) أي : نصيب ، بل هو موجب للعقوبة ، فلم يكن فعلهم إياه جهلاً ، ولكنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة .
( وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) علماً يثمر العمل : ما فعلوه . " تفسير السعدي " ( ص 61 ) .
وكل ما عدا ظاهر القرآن في حال هذين الملَكين : فهو من الإسرائيليات ، يردها ما ثبت من عصمة الملائكة ، على وجه العموم ، دون ورود استثناء لهذا لأصل العام : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) الأنبياء/26-28 .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
وقد روي في قصة " هاروت وماروت " عن جماعة من التابعين ، كمجاهد ، والسدي ، والحسن البصري ، وقتادة ، وأبي العالية ، والزهري ، والربيع بن أنس ، ومقاتل بن حيان ، وغيرهم ، وقصها خلق من المفسرين ، من المتقدمين والمتأخرين ، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل ، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ، وظاهر سياق القرآن : إجمال القصة من غير بسط ، ولا إطناب فيها ، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن ، على ما أراده الله تعالى ، والله أعلم بحقيقة الحال . " تفسير ابن كثير " ( 1 / 360 ) .